كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وَلِهَذَا جَاءَ فِي السُّنَّةِ أَنَّ مَنْ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَالْعُقُوبَاتُ وَلَمْ يَأْخُذْ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ رَأْفَةٌ أَنْ يُرْحَمَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فَيُحْسَنُ إلَيْهِ وَيُدْعَى لَهُ وَهَذَا الْجَانِبُ أَغْلَبُ فِي الشَّرِيعَةِ كَمَا أَنَّهُ الْغَالِبُ فِي صِفَةِ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ: «إنَّ اللَّهَ كَتَبَ كِتَابًا فَهُوَ مَوْضُوعٌ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ: إنَّ رَحْمَتِي تَغْلِبُ غَضَبِي» وَفِي رِوَايَةٍ «سَبَقَتْ غَضَبِي» وَقَالَ: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} {وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ} وَقَالَ: {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} فَجَعَلَ الرَّحْمَةَ صِفَةً لَهُ مَذْكُورَةً فِي أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى وَأَمَّا الْعَذَابُ وَالْعِقَابُ فَجَعَلَهُمَا مِنْ مَفْعُولَاتِهِ غَيْرَ مَذْكُورَيْنِ فِي أَسْمَائِهِ. وَمِنْ هَذَا الْبَابِ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ مِنْ الْغِلْظَةِ عَلَى الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ فَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} وَقَالَ: {لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} الْآيَاتُ إلَى قَوْلِهِ فِي قِصَّةِ إبْرَاهِيمَ: {حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} وَكَذَلِكَ آخِرُ الْمُجَادَلَةِ وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ حطان بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عبادة بْنِ الصَّامِتِ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «خُذُوا عَنِّي: قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا: الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ». وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اخْتَصَمَ إلَيْهِ رَجُلَانِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ. وَقَالَ الْآخَرُ- وَهُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ- يَا رَسُولَ اللَّهِ اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ وَأْذَنْ لِي: إنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا عَلَى هَذَا وَإِنَّهُ زَنَى بِامْرَأَتِهِ فَافْتُدِيَتْ مِنْهُ بِمِائَةِ شَاةٍ وَوَلِيدَةٍ وَإِنِّي سَأَلْت أَهْلَ الْعِلْمِ فَقَالُوا: عَلَى ابْنِك جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ: أَمَّا الْمِائَةُ شَاةٍ وَالْوَلِيدَةُ فَرَدٌّ عَلَيْك وَعَلَى ابْنِك جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ وَاغْدُ يا أُنِيسُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا فَاعْتَرَفَتْ فَرَجَمَهَا». فَهَذِهِ الْمَرْأَةُ أَحَدُ مَنْ رَجَمَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجَمَ أَيْضًا الْيَهُودِيِّينَ عَلَى بَابِ مَسْجِدِهِ وَرَجَمَ مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ وَرَجَمَ الغامدية. وَرَجَمَ غَيْرَ هَؤُلَاءِ. وَهَذَا الْحَدِيثُ يُوَافِقُ مَا فِي الْآيَةِ مِنْ بَيَانِ السَّبِيلِ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ لَهُنَّ: وَهُوَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ فِي الْبِكْرِ وَفِي الثَّيِّبِ الرَّجْمُ لَكِنَّ الَّذِي فِي هَذَا الْحَدِيثِ هُوَ الْجَلْدُ وَالنَّفْيُ لِلْبِكْرِ مِنْ الرِّجَالِ وَأَمَّا الْآيَةُ فَفِيهَا ذِكْرُ الْإِمْسَاكِ فِي الْبُيُوتِ لِلنِّسَاءِ خَاصَّةً؛ وَمِنْ فُقَهَاءِ الْعِرَاقِ مَنْ لَا يُوجِبُ مَعَ الْحَدِّ تَغْرِيبًا وَمِنْهُمْ مَنْ يُفَرِّقُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ كَمَا أَنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يُوجِبُونَ مَعَ رَجْمٍ جِلْدَ مِائَةٍ وَمِنْهُمْ مَنْ يُوجِبُهُمَا جَمِيعًا كَمَا فَعَلَ عَلِيٌّ بشراحة الهمدانية حَيْثُ جَلَدَهَا ثُمَّ رَجَمَهَا وَقَالَ: جَلَدْتهَا بِكِتَابِ اللَّهِ وَرَجَمْتهَا بِسُنَّةِ نَبِيِّهِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ: وَعَنْ أَحْمَدَ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ. وَهُوَ سُبْحَانَهُ ذَكَرَ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ مَا يُخْتَصُّ بِالنِّسَاءِ مِنْ الْعُقُوبَةِ بِالْإِمْسَاكِ فِي الْبُيُوتِ إلَى الْمَمَاتِ أَوْ إلَى جَعْلِ السَّبِيلِ ثُمَّ ذَكَرَ مَا يَعُمُّ الصِّنْفَيْنِ فَقَالَ: {وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا} فَإِنَّ الْأَذَى يَتَنَاوَلُ الصِّنْفَيْنِ وَأَمَّا الْإِمْسَاكُ فَيُخْتَصُّ بِالنِّسَاءِ فَالنِّسَاءُ يُؤْذَيْنَ وَيُحْبَسْنَ بِخِلَافِ الرِّجَالِ فَإِنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ فِيهِمْ بِالْحَبْسِ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ يَجِبُ أَنْ تُصَانَ وَتُحْفَظَ بِمَا لَا يَجِبُ مِثْلُهُ فِي الرَّجُلِ وَلِهَذَا خُصَّتْ بِالِاحْتِجَابِ وَتَرْكِ إبْدَاءِ الزِّينَةِ وَتَرْكِ التَّبَرُّجِ فَيَجِبُ فِي حَقِّهَا الِاسْتِتَارُ بِاللِّبَاسِ وَالْبُيُوتِ مَا لَا يَجِبُ فِي حَقِّ الرَّجُلِ. لِأَنَّ ظُهُورَ النِّسَاءِ سَبَبُ الْفِتْنَةِ وَالرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَيْهِنَّ. وَقوله: {فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} دَلَّ عَلَى شَيْئَيْنِ: عَلَى أَنَّ نِصَابَ الشَّهَادَةِ عَلَى الْفَاحِشَةِ أَرْبَعَةٌ وَعَلَى أَنَّ الشُّهَدَاءَ بِهَا عَلَى نِسَائِنَا يَجِبُ أَنْ يَكُونُوا مِنَّا فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْكُفَّارِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَهَذَا لَا نِزَاعَ فِيهِ وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي قَبُولِ شَهَادَةِ الْكُفَّارِ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَفِيهِ قَوْلَانِ عِنْدَ أَحْمَدَ: أَشْهَرُهُمَا عِنْدَهُ وَعِنْدَ أَصْحَابِهِ أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ كَمَذْهَبِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ. وَالثَّانِيَةُ أَنَّهَا تُقْبَلُ اخْتَارَهَا أَبُو الْخَطَّابِ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ أَشْبَهُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.
وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ أَهْلِ مِلَّةٍ عَلَى أَهْلِ مِلَّةٍ إلَّا أُمَّتِي فَإِنَّ شَهَادَتَهُمْ تَجُوزُ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ» فَإِنَّهُ لَمْ يَنْفِ شَهَادَةَ أَهْلِ الْمِلَّةِ الْوَاحِدَةِ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ بَلْ مَفْهُومُ ذَلِكَ جَوَازُ شَهَادَةِ أَهْلِ الْمِلَّةِ الْوَاحِدَةِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ؛ وَلَكِنْ فِيهِ بَيَانُ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ لِقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} وَفِي آخِرِ الْحَجِّ مِثْلُهَا. وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدري عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يُدْعَى نُوحٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُقَالُ لَهُ: هَلْ بَلَّغْت؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ فَيُدْعَى قَوْمُهُ فَيُقَالُ هَلْ بَلَّغَكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَيُقَالُ لِنُوحِ: مَنْ يَشْهَدُ لَك فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ فَيُؤْتَى بِكُمْ فَتَشْهَدُونَ أَنَّهُ بَلَّغَ» وَكَذَلِكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ فِي شَهَادَتِهِمْ عَلَى تِلْكَ الْجِنَازَتَيْنِ وَأَنَّهُمْ أَثْنَوْا عَلَى إحْدَاهُمَا خَيْرًا وَعَلَى الْأُخْرَى شَرًّا فَقَالَ: «أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ» الْحَدِيثُ. وَلِهَذَا لَمَّا كَانَ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ الَّذِينَ محضوا الْإِسْلَامَ وَلَمْ يُشَوِّبُوهُ بِغَيْرِهِ كَانَتْ شَهَادَتُهُمْ مَقْبُولَةً عَلَى سَائِرِ فِرَقِ الْأُمَّةِ بِخِلَافِ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالْأَهْوَاءِ كَالْخَوَارِجِ وَالرَّوَافِضِ فَإِنَّ بَيْنَهُمْ مِنْ الْعَدَاوَةِ وَالظُّلْمِ مَا يُخْرِجُهُمْ عَنْ كَمَالِ هَذِهِ الْحَقِيقَةِ الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ لِأَهْلِ السُّنَّةِ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِمْ: «يَحْمِلُ هَذَا الْعِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولَهُ يَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ وَتَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ».
وَقَدْ اسْتَدَلَّ مَنْ جَوَّزَ شَهَادَةَ أَهْلِ الذِّمَّةِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ بِهَذِهِ الْآيَةِ الَّتِي فِي الْمَائِدَةِ وَهِيَ قَوْلُهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} الْآيَةُ ثُمَّ قَالَ مَنْ أَخَذَ بِظَاهِرِ هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ: دَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى قَبُولِ شَهَادَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَيَكُونُ فِي ذَلِكَ تَنْبِيهٌ وَدَلَالَةٌ عَلَى قَبُولِ شَهَادَةِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى ثُمَّ نَسْخُ الظَّاهِرِ لَا يُوجِبُ نَسْخَ الْفَحْوَى وَالتَّنْبِيهِ وَهَذِهِ الْآيَةُ الدَّالَّةُ عَلَى نُصُوصِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ الْمُوَافِقِينَ لِلسَّلَفِ فِي الْعَمَلِ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَمَا يُوَافِقُهَا مِنْ الْحَدِيثِ أَوْجَهُ وَأَقْوَى فَإِنَّ مَذْهَبَهُ قَبُولُ شَهَادَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي الْوَصِيَّةِ فِي السَّفَرِ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ ضَرُورَةٍ فَإِذَا جَازَتْ شَهَادَتُهُمْ لِغَيْرِهِمْ فَعَلَى بَعْضِهِمْ أجوز وأجوز. وَلِهَذَا يَجُوزُ فِي الشَّهَادَةِ لِلضَّرُورَةِ مَا لَا يَجُوزُ فِي غَيْرِهَا كَمَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ حَتَّى نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى قَبُولِ شَهَادَتِهِنَّ فِي الْحُدُودِ الَّتِي تَكُونُ فِي مَجَامِعِهِنَّ الْخَاصَّةِ. مِثْلَ الْحَمَّامَاتِ وَالْعُرْسَاتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. فَالْكُفَّارُ الَّذِينَ لَا يَخْتَلِطُ بِهِمْ الْمُسْلِمُونَ أَوْلَى أَنْ تُقْبَلَ شَهَادَةُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ إذَا حَكَمْنَا بَيْنَهُمْ وَاَللَّهُ أَمَرَنَا أَنْ نَحْكُمَ بَيْنَهُمْ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَمَ الزَّانِيَيْنِ مِنْ الْيَهُودِ مِنْ غَيْرِ سَمَاعِ إقْرَارٍ مِنْهُمَا وَلَا شَهَادَةِ مُسْلِمٍ عَلَيْهِمَا وَلَوْلَا قَبُولُ شَهَادَةِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ثُمَّ إنَّ فِي تَوَلِّي مَالِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا نِزَاعٌ فَهَلْ يَتَوَلَّى الْكَافِرُ الْعَدْلُ فِي دِينِهِ مَالَ وَلَدِهِ الْكَافِرِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ وَالصَّوَابُ الْمَقْطُوعُ بِهِ: أَنَّ بَعْضَهُمْ أَوْلَى بِبَعْضِ وَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ وَسُنَّةُ خُلَفَائِهِ وقوله تعالى: {فَآذُوهُمَا} أَمْرٌ بِالْأَذَى مُطْلَقًا وَلَمْ يَذْكُرْ كَيْفِيَّتَهُ وَصِفَتَهُ وَلَا قَدْرَهُ بَلْ ذَكَرَ أَنَّهُ يَجِبُ إيذَاؤُهُمَا وَلَفْظُ الْأَذَى يُسْتَعْمَلُ فِي الْأَقْوَالِ كَثِيرًا كَقَوْلِهِ: {لَنْ يَضُرُّوكُمْ إلَّا أَذًى} وَقَوْلِهِ: {إنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا} {وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ} وَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا أَحَدَ أَصْبِرُ عَلَى أَذَى سَمْعِهِ مِنْ اللَّهِ» وَنَظَائِرُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ ذَكَرْنَاهَا فِي كِتَابِ الصَّارِمِ الْمَسْلُولِ. وَهَذَا كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَارِبِ الْخَمْرِ {عَاقِبُوهُ وَآذُوهُ} وَقَالَ {فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا} وَالْإِعْرَاضُ هُوَ الْإِمْسَاكُ عَنْ الْإِيذَاءِ. فَالْمُذْنِبُ لَا يَزَالُ يُؤْذَى وَيُنْهَى وَيُوعَظُ وَيُوَبَّخُ وَيُغَلَّظُ لَهُ فِي الْكَلَامِ إلَى أَنْ يَتُوبَ وَيُطِيعَ اللَّهَ وَأَدْنَى ذَلِكَ هَجْرُهُ فَلَا يُكَلَّمَ بِالْكَلَامِ الطَّيِّبِ كَمَا هَجَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنُونَ الثَّلَاثَةَ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى ظَهَرَتْ تَوْبَتُهُمْ وَصَلَاحُهُمْ وَهَذِهِ آيَةٌ مُحْكَمَةٌ لَا نَسْخَ فِيهَا فَمَنْ أَتَى الْفَاحِشَةَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَإِنَّهُ يَجِبُ إيذَاؤُهُ بِالْكَلَامِ الزَّاجِرِ لَهُ عَنْ الْمَعْصِيَةِ إلَى أَنْ يَتُوبَ وَلَيْسَ ذَلِكَ مَحْدُودًا بِقَدَرِ وَلَا صِفَةٍ إلَّا مَا يَكُونُ زَاجِرًا لَهُ دَاعِيًا إلَى حُصُولِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ تَوْبَتُهُ وَصَلَاحُهُ وَقَدْ عَلَّقَهُ تَعَالَى عَلَى هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ: التَّوْبَةُ وَالْإِصْلَاحُ. فَإِذَا لَمْ يُوجَدَا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ بِالْإِعْرَاضِ مَوْجُودًا فَيُؤْذَى وَالْآيَةُ دَلَّتْ عَلَى وُجُوبِ الْإِيذَاءِ لِلَّذَيْنِ يَأْتِيَانِ الْفَاحِشَةَ مِنَّا وَدَلَّتْ عَلَى وُجُوبِ الْإِعْرَاضِ عَنْ الْأَذَى فِي حَقِّ مَنْ تَابَ وَأَصْلَحَ فَأَمَّا مَنْ تَابَ بِتَرْكِ فِعْلِ الْفَاحِشَةِ وَلَمْ يَصْلُحْ فَقَدْ تَنَازَعَ الْفُقَهَاءُ هَلْ يُشْتَرَطُ فِي قَبُولِ التَّوْبَةِ صَلَاحُ الْعَمَلِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ. وَهَذِهِ تُشْبِهُ قوله تعالى: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} إلَى قَوْلِهِ: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} فَأَمَرَ بِقِتَالِهِمْ ثُمَّ عَلَّقَ تَخْلِيَةَ سَبِيلِهِمْ عَلَى التَّوْبَةِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ: وَهُوَ إقَامُ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ مَعَ أَنَّهُمْ إذَا تَكَلَّمُوا بِالشَّهَادَتَيْنِ وَجَبَ الْكَفُّ عَنْهُمْ ثُمَّ إنْ صَلَّوْا وَزَكَّوْا وَإِلَّا عُوقِبُوا بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى تَرْكِ الْفِعْلِ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ فِي التَّوْبَةِ شَرَعَ الْكَفَّ عَنْ أَذَاهُ وَيَكُونُ الْأَمْرُ فِيهِ مَوْقُوفًا عَلَى التَّمَامِ وَكَذَلِكَ التَّائِبُ مِنْ الْفَاحِشَةِ يَشْرَعُ الْكَفُّ عَنْ أَذَاهُ إلَى أَنْ يَصْلُحَ فَإِنْ أَصْلَحَ وَجَبَ الْإِعْرَاضُ عَنْ أَذَاهُ وَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ لَمْ يَجِبْ الْكَفُّ عَنْ أَذَاهُ بَلْ يَجُوزُ أَوْ يَجِبُ أَذَاهُ.
وَهَذِهِ الْآيَةُ مِمَّا يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى التَّعْزِيرِ بِالْأَذَى وَالْأَذَى وَإِنْ كَانَ يُسْتَعْمَلُ كَثِيرًا فِي الْكَلَامِ فِي مُرْتَكِبِ الْفَاحِشَةِ فَلَيْسَ هُوَ مُخْتَصًّا بِهِ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ بَصَقَ فِي الْقِبْلَةِ: «إنَّك قَدْ آذَيْت اللَّهَ وَرَسُولَهُ». وَكَذَلِكَ قَالَ فِي حَقِّ فَاطِمَةَ ابْنَتِهِ: «يُرِيبُنِي مَا رَابَهَا وَيُؤْذِينِي مَا آذَاهَا» وَكَذَلِكَ قَالَ لِمَنْ أَكَلَ الثُّومَ وَالْبَصَلَ: «إنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ» وَقَالَ لِصَاحِبِ السِّهَامِ: «خُذْ بِنِصَالِهَا لِئَلَّا تُؤْذِيَ أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ» وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ}. وقوله تعالى: {فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا} هَلْ يَكُونُ مِنْ تَوْبَتِهِ اعْتِرَافُهُ بِالذَّنْبِ فَإِذَا ثَبَتَ الذَّنْبُ بِإِقْرَارِهِ فَجَحَدَ إقْرَارَهُ وَكَذَّبَ الشُّهُودُ عَلَى إقْرَارِهِ أَوْ ثَبَتَ بِشَهَادَةِ شُهُودٍ هَلْ يُعَدُّ بِذَلِكَ تَائِبًا؟ فِيهِ نِزَاعٌ فَذَكَرَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَنَّهُ لَا تَوْبَةَ لِمَنْ جَحَدَ وَإِنَّمَا التَّوْبَةُ لِمَنْ أَقَرَّ وَتَابَ وَاسْتَدَلَّ بِقِصَّةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ أُتِيَ بِجَمَاعَةِ مِمَّنْ شَهِدَ عَلَيْهِمْ بِالزَّنْدَقَةِ فَاعْتَرَفَ مِنْهُمْ نَاسٌ فَتَابُوا فَقَبِلَ تَوْبَتَهُمْ وَجَحَدَ مِنْهُمْ جَمَاعَةٌ فَقَتَلَهُمْ وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَةَ: «إنْ كُنْت أَلْمَمْت بِذَنْبِ فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وَتُوبِي إلَيْهِ فَإِنَّ الْعَبْدَ إذَا اعْتَرَفَ بِذَنْبِهِ ثُمَّ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. فَمَنْ أَذْنَبَ سِرًّا فَلْيَتُبْ سِرًّا وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُظْهِرَ ذَنْبَهُ كَمَا فِي الْحَدِيثِ: «مَنْ اُبْتُلِيَ بِشَيْءِ مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ فَإِنَّهُ مَنْ يُبْدِ لَنَا صَفْحَتَهُ نُقِمْ عَلَيْهِ كِتَابَ اللَّهِ» وَفِي الصَّحِيحِ: «كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إلَّا الْمُجَاهِرِينَ وَإِنَّ مِنْ الْمُجَاهَرَةِ أَنْ يَبِيتَ الرَّجُلُ عَلَى الذَّنْبِ قَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَيَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ» فَإِذَا ظَهَرَ مِنْ الْعَبْدِ الذَّنْبُ فلابد مِنْ ظُهُورِ التَّوْبَةِ وَمَعَ الْجُحُودِ لَا تَظْهَرُ التَّوْبَةُ فَإِنَّ الْجَاحِدَ يَزْعُمُ أَنَّهُ غَيْرُ مُذْنِبٍ؛ وَلِهَذَا كَانَ السَّلَفُ يَسْتَعْمِلُونَ ذَلِكَ فِيمَنْ أَظْهَرَ بِدْعَةً أَوْ فُجُورًا فَإِنَّ هَذَا أَظْهَرُ حَالِ الضَّالِّينَ وَهَذَا أَظْهَرُ حَالِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَمِنْ أَذَاهُ مَنْعُهُ- مَعَ الْقُدْرَةِ- مِنْ الْإِمَامَةِ وَالْحُكْمِ وَالْفُتْيَا وَالرِّوَايَةِ وَالشَّهَادَةِ وَأَمَّا بِدُونِ الْقُدْرَةِ فَلْيَفْعَلْ الْمَقْدُورَ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ: {وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا} فَأَمَرَ بِإِيذَائِهِمَا وَلَمْ يُعَلِّقْ ذَلِكَ عَلَى اسْتِشْهَادِ أَرْبَعَةٍ كَمَا عَلَّقَ ذَلِكَ فِي حَقِّ النِّسَاءِ وَإِمْسَاكِهِنَّ فِي الْبُيُوتِ وَلَمْ يَأْمُرْ بِهِ هُنَا كَمَا أَمَرَ بِهِ هُنَاكَ؛ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ لِأَنَّ ذَلِكَ لابد أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ وَاحِدًا مِثْلَ الْإِعْتَاقِ فَإِذَا كَانَ الْحُكْمُ مُتَّفِقًا فِي الْجِنْسِ دُونَ النَّوْعِ كَإِطْلَاقِ الْأَيْدِي فِي التَّيَمُّمِ وَتَقْيِيدِهَا فِي الْوُضُوءِ إلَى الْمَرَافِقِ وَإِطْلَاقِ سِتِّينَ مِسْكِينًا فِي الْإِطْعَامِ وَتَقْيِيدِ الْإِعْتَاقِ بِالْإِيمَانِ مَعَ أَنَّ كِلَاهُمَا عِبَادَةٌ مَالِيَّةٌ يُرَادُ بِهَا نَفْعُ الْخَلْقِ وَفِي ذَلِكَ نِزَاعٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ. وَلَمْ يَحْمِلْ الْمُسْلِمُونَ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعَيْنِ الْمُطْلَقَ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي قَوْلِهِ: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} الْآيَةُ: وقوله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} قَالَ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ وَسَائِرُ أَئِمَّةِ الدِّينِ: الشَّرْطُ فِي الرَّبَائِبِ خَاصَّةً وَقَالُوا: أَبْهَمُوا مَا أَبْهَمَ اللَّهُ وَالْمُبْهَمُ هُوَ الْمُطْلَقُ وَالْمَشْرُوطُ فِيهِ هُوَ الْمُؤَقَّتُ الْمُقَيَّدُ فَأُمَّهَاتُ النِّسَاءِ وَحَلَائِلُ الْآبَاءِ وَالْأَبْنَاءِ يَحْرُمْنَ بِالْعَقْدِ وَالرَّبَائِبُ لَا يَحْرُمْنَ إلَّا إذَا دُخِلَ بِأُمَّهَاتِهِنَّ؛ لَكِنْ تَنَازَعُوا هَلْ الْمَوْتُ كَالدُّخُولِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْحُكْمَ مُخْتَلِفٌ وَالْقَيْدُ لَيْسَ مُتَسَاوِيًا فِي الْأَعْيَانِ؛ فَإِنَّ تَحْرِيمَ جِنْسٍ لَيْسَ مِثْلَ تَحْرِيمِ جِنْسٍ آخَرَ يُخَالِفُهُ كَمَا أَنَّ تَحْرِيمَ الدَّمِ وَالْمِيتَةِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ لَمَّا كَانَ أَجْنَاسًا فَلَيْسَ تَقْيِيدُ الدَّمِ بِكَوْنِهِ مَسْفُوحًا يُوجِبُ تَقْيِيدَ الْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ أَنْ يَكُونَ مَسْفُوحًا وَهُنَا الْقَيْدُ كَوْنُ الرَّبِيبَةِ مَدْخُولًا بِأُمِّهَا وَالدُّخُولُ بِالْأُمِّ لَا يُوجَدُ مِثْلُهُ فِي الْحَلِيلَتَيْنِ وَأُمِّ الْمَرْأَةِ؛ إذْ الدُّخُولُ فِي الْحَلِيلَةِ بِهَا نَفْسِهَا وَفِي أُمِّ الْمَرْأَةِ بِبِنْتِهَا. وَكَذَلِكَ الْمُسْلِمُونَ لَمْ يَحْمِلُوا الْمُطْلَقَ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي نَصْبِ الشَّهَادَةِ؛ بَلْ لَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ فِي آيَةِ الدَّيْنِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلًا وامرأتين وَفِي الرَّجْعَةِ رَجُلَيْنِ أَقَرُّوا كُلًّا مِنْهُمَا عَلَى حَالِهِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْحُكْمِ مُخْتَلِفٌ وَهُوَ الْمَالُ وَالْبُضْعُ وَاخْتِلَافُ السَّبَبِ يُؤَثِّرُ فِي نِصَابِ الشَّهَادَةِ وَكَمَا فِي إقَامَةِ الْحَدِّ فِي الْفَاحِشَةِ وَفِي الْقَذْفِ بِهَا اُعْتُبِرَ فِيهِ أَرْبَعَةُ شُهَدَاءَ فَلَا يُقَاسُ بِذَلِكَ عُقُودُ الْأَيْمَانِ وَالْأَبْضَاعِ وَذَكَرَ فِي حَدِّ الْقَذْفِ ثَلَاثَةَ أَحْكَامٍ:
جَلْدُ ثَمَانِينَ وَتَرْكُ قَبُولِ شَهَادَتِهِمْ أَبَدًا وَإِنَّهُمْ فَاسِقُونَ {إلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} وَأَنَّ التَّوْبَةَ لَا تَرْفَعُ الْجَلْدَ إذَا طَلَبَهُ الْمَقْذُوفُ وَتَرْفَعُ الْفِسْقَ بِلَا تَرَدُّدٍ وَهَلْ تَرْفَعُ الْمَنْعَ مِنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ؟ فَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ قَالُوا تَرْفَعُهُ.